الخوارزميات: هل نتحكم بها أم تتحكم بنا؟
ملخص الجلسة الخامسة من مبادرة Spaces – من يتحكم؟ نحن أما ل
في زمن تُشكّل فيه التقنية جزءًا أساسيًا من تفاصيل حياتنا اليومية، تبرز الخوارزميات كقوة غير مرئية تصنع قرارات نيابةً عنّا، وتوجه تجاربنا الرقمية، بل وتشكل وعينا في بعض الأحيان. في جلسة Spaces الأخيرة التي نظّمتها المؤسسة الليبية للتقنية، حملنا هذا السؤال الجوهري: هل نحن من نتحكم في الخوارزميات، أم أنها من تتحكم بنا؟
ما هي الخوارزميات؟ وكيف تعمل؟
بدأت الجلسة بتعريف مبسط لمفهوم الخوارزميات، على أنها مجموعة من التعليمات المنطقية التي تعتمدها الأنظمة التقنية لاتخاذ قرارات أو اقتراح محتوى أو تقديم خدمات بناءً على بيانات المستخدم. لا تعمل الخوارزميات في فراغ؛ بل تتغذى على كل نقرة، إعجاب، مشاركة، ومدة بقاءنا على منشور أو فيديو ما، لتتعلم منها وتعيد تشكيل تجربتنا الرقمية.
لكن الأمر لا يقف عند حدود التخصيص وتحسين التجربة، بل يتعداه إلى التأثير العميق في سلوكنا الرقمي.
التطبيقات المصمّمة لتأسر وقتنا
تناولنا خلال الجلسة الطريقة التي تُصمّم بها التطبيقات الرقمية الكبرى بهدف إبقائنا أطول وقت ممكن على المنصة. تعتمد هذه التطبيقات على مبدأ “التحفيز المتقطع” أو ما يُعرف بـ digital drug، حيث تُقدم جرعات صغيرة من المكافآت (إشعارات، لايكات، محتوى مثير) تحفز الدماغ وتخلق نمطًا من الإدمان السلوكي.
وهنا يبرز الفرق الجوهري بين استخدام الإنترنت كـ”أداة”، نلجأ إليها لإنجاز مهمة محددة أو اكتساب معرفة، وبين استخدامه كـ”بيئة” ترفيهية تستهلك الوقت وتوجه الانتباه بشكل غير واعٍ.
هل الإنترنت حيّ فعلًا؟ “نظرية الإنترنت الميت”
ناقشنا كذلك مفهوم “نظرية الإنترنت الميت” (Dead Internet Theory) التي تفترض أن جزءًا كبيرًا من المحتوى الرقمي بات يُنشأ ويُروّج له من قبل خوارزميات أو حسابات غير بشرية، مما يثير تساؤلات حول واقعية ما نراه على الإنترنت، ومدى صحة ما نتفاعل معه.
هل الخوارزميات محايدة فعلًا؟
أحد المحاور الأساسية في النقاش كان حول حياد الخوارزميات. النظرة السطحية تفترض أن الخوارزميات محايدة لأنها تعتمد على معادلات رياضية، لكن الواقع مختلف. فالخوارزميات تتأثر بأهداف المنصة نفسها (مثل زيادة الوقت على الشاشة، تعزيز الإعلانات المدفوعة) كما تتأثر بسلوك المستخدمين أنفسهم، ما يجعلها في كثير من الأحيان تُعزز التحيزات الموجودة أصلًا.
هل يمكننا “تعليم” الخوارزميات لصالحنا؟
في ختام الجلسة، استعرضنا سُبل توجيه تجربتنا الرقمية من خلال خطوات بسيطة ولكن فعّالة، مثل:
- التحكم بما نتفاعل معه (ما نتابعه، ما نعجب به، وما نتجاهله)
- تقنين وقت الاستخدام ومراقبته
- استخدام أدوات التخصيص المتاحة
- كسر دائرة الاقتراحات عبر التفاعل المتنوع
بمعنى آخر، بإمكاننا “تعليم” الخوارزميات من خلال تصرفاتنا، وتشكيل تجربة أكثر وعيًا واتزانًا، بدلاً من تركها تقودنا وفق نمط تلقائي.
ختامًا
ما بين الحياد والتأثير، بين التحكم والخضوع، تظل الخوارزميات مرآة تعكس قراراتنا وسلوكياتنا. نحن من نُعلّمها، ونحن من نملك القرار في رسم حدود تأثيرها على حياتنا. والمفتاح هو الوعي الرقمي.
نتوجه بجزيل الشكر للسيد عماد الحسومي على مشاركته القيمة في الجلسة، وإثرائه للنقاش بأفكار عميقة ورؤية تحليلية ساعدتنا في فهم هذا الموضوع من زوايا متعددة.
اترك تعليقاً